إمداد الدماغ بالطاقة يفتح آفاق جديدة لفهم الأعماق النفسية للأمراض العقلية

منذ 2 أيام
إمداد الدماغ بالطاقة يفتح آفاق جديدة لفهم الأعماق النفسية للأمراض العقلية

بحث جديد في الطب النفسي يكشف عن خلل في الطاقة داخل خلايا الدماغ

يكشف بحث حديث من جامعة هارفارد عن تحول قد يعيد تشكيل الطب النفسي الحديث، حيث توصل العلماء إلى اكتشاف خلل خفي في منظومة الطاقة داخل خلايا الدماغ. هذا الخلل قد يكون وراء العديد من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، والخرف.

نتائج الثورة في الطب النفسي

النتائج التي تم نشرها في مجلة Genomic Psychiatry تمثل خطوة هامة نحو صيغة جديدة من الطب النفسي ترتكز على الوقاية، والعلاج الموجه، وفهم البنية الخلوية للدماغ.

يشرح البروفيسور بروس كوهين، أستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد ومدير برنامج أبحاث الاضطرابات العصبية النفسية في مستشفى “ماكلين”، أن فريقه توصل إلى أدلة قوية تشير إلى أن اضطراب توليد الطاقة داخل الخلايا العصبية هو العامل الجوهري وراء العديد من الأمراض النفسية.

الكيمياء العصبية والطاقة الخلوية

يقول كوهين: “لقد كنا نبحث لعقود عن مشاكل في كيمياء النواقل العصبية، بينما المشكلة الحقيقية تكمن أعمق في الطاقة التي تشغل الخلايا نفسها”.

يستخدم مختبر كوهين تقنية الخلايا الجذعية المستحثة لإعادة برمجة خلايا بشرية إلى خلايا دماغية حية، مما يتيح دراسة كيفية توليدها للطاقة وكيفية تواصلها.

نتائج التجارب والدلالات المبكرة

أظهرت التجارب أن خلايا المرضى الذين يعانون من الفصام، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو الزهايمر تعاني من عيوب ميتوكوندرية تضعف القدرة على إنتاج الطاقة. ويشير كوهين إلى أن هذه العيوب يمكن رصدها ومعالجتها حتى قبل ظهور الأعراض، مما يمهد الطريق لمرحلة جديدة من الطب النفسي الوقائي.

تغيير المفاهيم التقليدية

تحدث هذه الرؤية انقلاباً في المفاهيم السائدة منذ قرن، حيث لم يعد التركيز على اختلال النواقل العصبية مثل السيروتونين أو الدوبامين، بل على الميكانيكا الحيوية للطاقة العصبية. يعد الدماغ أكثر الأعضاء استهلاكاً للطاقة، ويعتمد على دقة عمليات إنتاجها وتوزيعها.

يشدد كوهين على ضرورة إعادة النظر في أنظمة التشخيص النفسي التقليدية مثل DSM التي تقسم المرضى إلى فئات جامدة، ويقترح بدلاً منها نظاماً يعتمد على الأعراض الفردية والمقاييس البيولوجية، بدلاً من التصنيفات القديمة مثل “فصام” أو “هوس اكتئابي”.

الهدف من النهج الجديد

الهدف من هذا النهج هو تقليل الوصمة، وفهم الفروق الدقيقة بين الحالات، وتمكين الأطباء من وضع خطط علاجية أكثر تخصيصا.

يرى كوهين أن الطب النفسي في القرن الحادي والعشرين يجب أن يستند إلى البيولوجيا وليس فقط التصنيف، مما يعكس الواقع العصبي الفعلي بدلاً من القوالب التقليدية.

نظرة مستقبلية

يضيف كوهين: “لقد آن الأوان لأن نعامل الاضطرابات النفسية كما نعالج أمراض القلب أو الكلى، بناءً على المؤشرات الخلوية والوراثية، وليس من خلال الأوصاف السلوكية فقط”.

وينظر كوهين بتفاؤل نحو المستقبل، حيث يتوقع أن تسمح تطورات تقنيات إعادة البرمجة الخلوية والتحليل الجينومي بالاكتشاف المبكر لعوامل الخطر للأمراض النفسية قبل ظهورها الفعلي.

نداء للتغيير في ممارسة الطب النفسي

في النهاية، يدعو كوهين إلى توحيد العلم والإنسانية في ممارسة الطب النفسي، مؤكداً أن مستقبل هذا العلم لن يكون في مزيد من الأدوية فقط، بل في فهم أعمق لآليات الطاقة داخل الخلايا العصبية، هذه الطاقة التي تحرك التفكير والمشاعر والوعي ذاته.